Tuesday, August 19, 2008

مشوار

جزء -1

-1-
منذ ادرك الحياه وهو يراها من خلال ذلك المجال الضيق
جانبان من الظلال يصران علي تحجيم مجال رؤيته
لايتركان امامه سوي مربع من الرؤيه يتيح له فقط رؤيه ذلك الطريق امامه
وبعض من الاشجار علي جانبيه

كان لا يري فيما عدا ذلك ولكنه يشعر

يشعر برفيق رحلته الملازم له طوال سيره

يشعر بثقل عربه وراءه وثقل ذلك اللوح الخشبي الذي يربطه اليها
ذلك اللوح الذي يحول دون التفاف رقبته لاي جانب

كان ايضا يشعر كثيرا بذلك الصوت لشيء رفيع يشق الهواء
يشقه مره فيسمع صهيل ألم بجانبه
ثم يشقه مره اخري فيشعر بشيء كسكين حاد يشق جلد ظهره
فيسير اسرع ويسير رفيقه اسرع

طريق واحد يعمل عليه منذ وعي الاختلافات
طريق يستهلك منه اليوم بطوله في الذهاب والاياب
بلا لحظه للراحه في ابرد ايام الشتاء واقسي ايام الصيف

بل انه كان يكره ايام الشتاء
كانت قصيره وكثيرا ماهاجمه الليل وهو مازال في الطريق
فينهال السوط علي ظهره مرات ومرات
بينما جسده يرتعش من البروده وتتساقط ذرات الثلج علي ظهره فيكون السوط كعذاب مرسل من الجحيم

حينما ينهي مشواره اليومي
تجره يد قويه الي عمود خشبي صار هو فقط صديق لياليه
ويربط فيه بحبل قصير لا يترك له مساحه للالتفات
ليحدق فيه طوال ليلته حتي يستيقظ صاحب اليد القويه
فيجره مره اخري الي عربته ولوحه الخشبي

لا يتذكر كم مر عليه هكذا
لا يذكر ماكان عليه قبل هذا
يبدو انه ولد هكذا

يتذكر يوما واحدا لن ينساه مادام بداخله نفس يتردد

كان يسير بجانب رفيقه كالعاده
ثم فجاءه صارت العربه اثقل
حاول ان يجرها بقوه اكثر فلم يستطع
سمع الصوت الرفيع مره
واثنان
وثلاثه
وعشره
لم يسقط ايها علي ظهره
ولم يعقب اياها صهيل الم
بل كانت زمجره غضب تعقب كل صوت
يشعر بها بجانبه
فهم بالكاد ما يحدث بجواره
ولو كان يعي ماتعني كلمه عصيان لوصف بها مايحدث
ولكنه لم يعي سوي خوف جارف لايدري كهنه
وشعور خافت ينتابه كلما سمع الزمجره

وتوالت الضربات وتوالت الزمجرات
ويبدو ان الرفيق كان عناده اقوي من السوط
سمع صاحب العربه يتحدث مع من بجانبه

ثم سمع دويا يصم الاذان
ثم أنين خافت
وسقوط شيء ثقيل بجانبه علي الارض يربطه به نفس لجام العربه

لم يشعر بالحزن علي رفيقه الذي لم يراه
لم يشعر بالغضب من قاتله
غمره في تلك اللحظه شعور واحد
الخوف

سمع صاحب العربه ينزلق عنها ليفك اللوح الخشبي عن جثه رفيقه
وشعر بالسوط يشق ظهره فجمع شتات قوته ليجذب العربه وحده حتي وصل لنهايه الطريق

كان غايه في الاستسلام وتلك اليد تجره للعمود
لم يحاول استراق النظر فيما حوله كعادته بين العربه وذلك العمود الخشبي
بل سار باستسلام تام

ظل تلك الليله يحدق في ذلك العمود الخشبي بلا معني
وما ان شعر بتلك اليد تجره ثانيه الي العربه حتي سار بها دون حتي ان ينتظر جذب اللجام
..................................................................

-2-
كان كلما اغلق عيناه يري تلك الحادثه كانها حدثت امام عيناه
بل ويتخيل الجواد رفيقه الذي لم ير وجهه يوما ينظر له وهو يتركه جاذبا العربه خلفه
نظره كانت تؤلمه
لو ادرك معاني العتاب والألم والاشمئزاز ثم جمعهما في نظره جواد يحتضر لأدرك كيف يصفها لنا
ولكنه ادرك فقط انها تؤلمه وبشده

كان الخوف الذي غمره يومها يصاحبه شعور اخر أضعف لم ينساه يوما
ثم بدأ شعور الخوف يختفي شيئا فشيئا ليترك مساحه لذلك الشعور الاخر ليزداد ويقوي
كانت عدوي اصابته منذ سمع تلك الزمجره
يسمعها تتردد في اذنه بين الحين والاخر
ترجف قلبه بنشوه لم يعتادها
فيرفع نظره قليلا الي السماء
كانت تلك النظره تريح قلبه قليلا

ولكن الشعور يشتعل
والامال تزداد
ولكن الله حباه عن رفيقه بالصبر وقليلا من التعقل
فليصبر ويتحمل

صارت الايام بعد ذلك هي فرصه للملاحظه ليس الا
لمح يوما مسمارا بارزا اعلي من رأسه بسنتيمترات في عموده الخشبي
كان يظل مستيقظا قليلا بعدما يربطه صاحبه
لاحظ ان الاصوات تستمر بجانبه
ثم ترتفع الاصوات ويصاحبها مرح وضحكات
ثم يسمع صرير لابواب تغلق
ثم يخيم الصمت

بدأ يدرك ماذا تعني الايام
وادرك ان يوما بين كل سبعه ايام تكون يوما العربه اخف
كانما لا تحمل سوي صاحبه
بينما الايام الاخري تكون العربه ثقيله للغايه كانما تحمل العديد من الاشياء والاشخاص
كان هذا اليوم يعود فيه مجهدا بشكل اقل من باقي الايام

تجمعت الملاحظات في ذهنه لترتسم فكره بعينها
كان الصيف قد جاء وهو فصله المفضل فلن ينتظر الكثير
انتظر بصبر فارغ ذلك اليوم
ثم ليلته
ثم انتظر حتي سمع ذلك الصرير
وهدأت جميع الاصوات
رفع رأسه قليلا حتي تعلق ذلك المسمار بلجام عينيه ورقبته
ثم جذب جسده للوراء بقوه
كان الجزء الاول هو الاسهل فسقط اللجام ليغلق عيناه بشكل كامل
ولتكون اول خطوات طريق حريته ظلام
ثم بدأ يشعر بالم شديد والمسمار ينغرس في جبينه وبين عيناه
ولكنه تحمل وبصبر دون ان يصدر صوتا وجذب جسده للخلف اكثر

كان يدرك ان صوتا خافتا يصدر عنه قد يوقظ صاحبه ليعاود ربط قيده بطريقه ليس منها مفر
سالت الدماء عن جبينه لتغشي عيناه تحت اللجام
وازداد الالم حتي صار لا يحتمل
ولكن تمرده كان اقوي
ويبدو ان اللجام قد ادرك مدي عناده
فانهار في النهايه

للحظه لم تعتاد عيناه مجال الرؤيه المتسع حوله
ثم بدأ يعتاد شيئا فشيئأ ليري منظرا تكسوه غلاله من دماءه

كان العمود الخشبي امامه يجاوره مايقرب من سبعه اعمده اخري
قيد الي كل منها بحبل قصير جواد مثله
امامهم سلال مليئه بالطعام
انوفهم ملتصقه بالاعمده الخشبيه
وجميعهم في سبات عميق

المنزل علي يساره له باب واحد والعديد من النوافذ الضيقه
يبدو كشبح كئيب يحوطه جبل شاهق من خلفه

استدار برقبته ببطء لعدم اعتياده تحريكها من قبل
رأي خلفه اربعه عربات خشبيه ولكل منها زوج من الالواح ينتهي بلجام
نظر الي تلك الالواح نظره غضب وهم ان يحطمها لوحا لوحا
ثم ادرك انه يجب عليه الهروب سريعا قبل ان يستيقظ البشر

نظر الي يمينه ليري نفس الطريق الذي لم يسير يوما سوي فيه
تحيط به الاشجار في صفان فقط
ومن وراء الاشجار تمتد صحراء جرداء
اصابته خيبه امل بلا شك ولكنه بالتاكيد يفضل الصحراء علي حياته تلك

نظر الي السبعه اعمده التي قيد اليها ابناء جنسه
وهم بالحركه نحوها
ثم سمع صوتا عاليا من المنزل عن يساره
ثم دويا عاليا يصدر من هناك وشيئا يمرق فوق رأسه بسرعه عاليه
فاستدار الي اليمين واطلق ساقيه للرياح
الي طريقه المعتاد
ومنه
الي عرض الصحراء

بينما يعدو شعر ان قوته تضعف شيئا فشيئا
وسرعته تقل شيئا فشيئا
تنبه انه لم يعد يعدو علي اربع
رفع عيناه الي السماء مع شقشقه الفجر ليبصر طائرا يحلق عاليا في السماء
استدار الي الاتجاه الذي قدم منه الطائر
يعلم جيدا ان هذا الطائر لابد انه يسكن بجانب الماء والاشجار

لم يعلم من اين اتاه هذا اليقين
ولكنه يدرك شيئا فشيئا انه لم يعد ذلك الجواد المستعبد
لم يعد جوادا علي الاطلاق

لم يهتم كثيرا بالتفسير علي شده الاعياء الذي كان فيه
لاح امامه نهر بجانبه شجيرات صغيره
انهال علي النهر يشرب بفمه فقط
ثم بدا يرفع الماء الي فمه بيديه
نظف جرح جبينه جيدا بالماء

ثم زحف الي اسفل شجيره صغيره مستخدما اخر جزء في طاقته
ليسقط في نوم اشبه بالغيبوبه


جزء -3

انحدرت قطره الندي علي وريقه الشجره الشابه علي ضفه النهر تحت ضوء الفجر الخافت
تخللت رطوبتها مسام الوريقه في هدوء لتعينها علي نهار صيف طويل قادم
وتخللت انفاس الوريقه المشبعه بالاكسجين جزيئات القطره البارده
وفي النهايه انحدرت القطره عنها متجوهه صوب الارض

بدلا من ان تسقط ارضا كباقي صديقاتها وجدت طريقها الي طرف أنف شاب
يرقد اسفل الشجيره في نوم عميق
شاب يبدو في اوائل العشرين من عمره
يلتمع العرق علي عضلاته السمراء الصغيره
شعره يمتد حتي نهايه رقبته كجمه وقد التصقت شعرات منها علي جبينه وعلي عينيه

دغدغه سقوط قطره الندي وانعشته أنفاسها الرطبه
فتح عيناه بهدوء وعلي شفتيه شبح ابتسامه من ذلك النهار الندي
ما ان اكتملت حركه العين حتي شعر بالم خفيف في جبهته
رفع يده الي موضعه ليجد جرحا صغيرا شارعا في الالتئام
انتابه شرود بسيط وهو يفكر في سبب الجرح
كانت ذاكرته مشوشه بشده
جل مايذكر انه كان مقيدا
اسيرا او ماشابه
ثم يتذكر عدوا طويلا في صحراء ثم تنقطع الذاكره

نفض التفكير عن رأسه ليقوم من رقدته
انتبه انه عاري تماما من ملابسه وبجانيه سرج لجواد
لابد انه كان لجواده ولكن لايدري اين ذهب

كانت طبيعته ترفض ان يبقي عاريا حتي ولو لم يتواجد بجانبه احد
فحص السرج بجانبه فوجده يتكون من عده شرائح من الجلود المضغوطه
فصلها عن الي شرائح ثم وجد صعوبه لكي يصنع منها رداءا قصيرا يكسو عورته بالكاد
ثم قام الي الشجيره وامسك فرعا قويا منها
وهذبه ليصبح طرفه مدببا كسلاح مؤقت معه

كان يشعر بجوع شديد كأنما لم يذق طعاما من قبل
فسار مع امتداد النهر امامه يبحث عن شيء يتغذي عليه
مع الظهيره كان قد وجد القليل من ثمرات التفاح غير مكتمله النضج
ولكنها كانت تكفي لتسد رمقه

يذكر ان الطعام كان يوضع امامه دوما
ولكنه لا يذكر انه كان يجد له طعما
لا يدري لم تترائي له ذكرياته في تلك الصوره المشوشه فيراها كانها افكار وليست مشاهد عاشها بنفسه

جلس يستريح اسفل احدي الشجيرات وهو يلتهم تلك التفاحات التهاما
وما ان جذب الثمره الاخيره الي فمه حتي سمع خلفه جلبه وصراخا
التفت فشاهد شيخا اعزلا يعدو علي قدميه وخلفه يعدو شخصا علي جواد ممسكا بندقيه في يده
لوهله خشي علي نفسه من ان ينتبه اليه المطارد فاختبئ سريعا خلف الشجيره
ثم ترائي له مشهدا في الذاكره

كأنما رجل يسير بجانبه ثم تصيبه طلقه رصاص
ويبتعد هو في هدوء بينما ينظر له الرجل نظره لوم قاتله
يذكر جيدا ان هذا المشهد يأتيه في منامه بشكل دائم
وتقتله تلك النظره كل يوم

رفع جذع الشجره المدبب الذي يحمله وهم ان يقذفه مصوبا اياه علي القاتل الذي اعطي النهر ظهره في تلك اللحظه
ثم منعه شيئا في اعماقه ان يقتله غدرا في ظهره

فحمل الرمح البدائي وانطلق خلف القاتل محاولا الا ينتبه اليه
حتي ادركه في نفس اللحظه التي سقط الشيخ علي وجهه امامه
فقفز نحوه ضاربا اياه بالطرف الغير مدبب من رمحه مسقطا كليهما عن صهوه الجواد
تدحرجا ارضا وابتعدا للحظه عن بعضهما البعض
كانت كافيه ان يمسك القاتل بالبندقيه ويرفعها
لم يجد صديقنا مفرا فدفع برمحه البدائي الي رقبه القاتل
لتنطلق الرصاصه وهو يسقط ارضا لتعبر بالكاد اعلي رأس الشاب

جال الشيخ نظره بين مطارده وبين الشاب وهو ينظر تاره الي ملابس الشاب ورمحه البدائي
وتاره الي سلاح مطارده الذي سقط بجانبه
انتبه الي ان الشاب مازال ينظر الي جثه المطارد شاردا النظرات وكأنما لم يتوقع ان يقتله الرمح

طمأنت تلك النظرات الشيخ كثيرا ليستند واقفا ثم يقترب من الشاب بحذر ويساعده علي النهوض

جزء-4

أدهم-
أدهم-
انتبه الشاب علي نداء الشيخ
فأستدار وانتبه من جلسته علي تلك الربوه المطله علي النهر
ووقف ينظر الي صديقه العجوز وهو يصعد الربوه بخطوات خفيفه
حاملا عده اوعيه من الطعام رصت فوق بعضها

شرد أدهم بذهنه مستعيدا تسعه شهور مضت
منذ التقاه اول مره وهو يعدو هاربا

يومها لم يذكر ماضيا ولم يتذكر حتي اسمه
فأطلق العجوز عليه اسم ادهم
واستساغ الاسم كثيرا
اصطحبه العجوز معه الي مدينته الصغيره مستضيفا اياه في بيته

كانت مدينه صغيره علي ضفه النهر لا تختلف عن اي مدينه اخري في نهايات القرن الثامن عشر
حيث كان صوت البنادق هو الاعلي
يعلو حتي علي تفكير البشر

كان منزل العجوز يطل علي ضفه النهر
يذكر يوم دلف الي ذلك المنزل ان تعجب من اطلاق العجوز عليه أسم البيت

كان بناءا من طايق واحد
يشغل معظمه بهوا كبيرا مرتفع السقف
تكسو جدرانه مجلدات من الكتب ليس لها عدد

كانت صنعه العجوز نسخ الكتب وتجليدها وبيعها
يذكر يومها ان هالته تلك الكميه الضخمه من الكتب فابتسم له العجوز مخبرا اياه انها كنزه الصغير
فهم يومها انه يقصد انها رأس ماله واساس تجارته

لم يكن يعرف القراءه وقتها فاستمر مع صفوف الكتب عابرا القاعه الي النهايه حتي وجد بابان
اخبره العجوز ان احدهما معمل للطباعه بها طابعه بدائيه ورفوف من المجلدات
والاخري أصغر تحتوي سريرا واريكه حيث سينام حتي يجد له مكان افضل

انتبه من افكاره علي صديقه العجوز وقد وصل الي اعلي الربوه مبتسم الثغر كعادته وقد تسارعت انفاسه من الصعود
غمزه ادهم بعينه مخبرا اياه انه قد اصابه العجز

ابتسم العجوز ولوح بقبضته في صدر الفتي
فتفاداها الاخر في بساطه وتراجع ضاحكا كأنما يخشي غضبه
ابتسم العجوز وامسكه من يده جاذبا اياه الي شجره
فسار وراءه الشاب مصطنعا الاستسلام

-هنتغدي الاول وبعدين نشوف مين فينا اللي عجز
قالها العجوز مبتسما وهو يخرج الاطباق والخبز ليضعها امامهم

بدءا بتناول الطعام والعجوز ينظر الي الفتي

تلك اللمعه في عينيه عندما يشرد
او يضحك
او يفكر
تخفي الكثير
وتعني الكثير
تشتعل ورائها نار المعرفه والطموح
وتكسوها طبقه من حزن لا يدري سببه ولم يسأله عنه
فتحملها هيبه تستقر في قلب كل من يقابله

ابتسم عندما تذكر وهو يعلمه القراءه
تعلمها بشكل مذهل خلال شهر واحد ثم أدمن قراءه الكتب
كان يختزل اوقات الراحه والطعام والنوم ليقرأ
الا تلك الساعه التي تسبق الغذاء

كان يسبقه كل يوم الي النهر ليجلس بذات المكان
شاردا يفكر في ماضيه

ولكن العجوز لم يعلم ان ماضي الشاب المشوش لم يكن جل ما يشغل تفكيره

لو عدنا الي اللحظه التي سبقت وصول العجوز
واستدرنا حول الشاب لنواجهه
ونظرنا الي تلك العينين السوداويين وهما يحملقان في صفحه الماء التي تلتمع عليها اشعه الشمس الغاربه
وعبرنا لمعه عيناه التي يتحدث عنها العجوز الي اعماق عقل الشاب

لوجدنا قرار بترك العمل ينتظر موافقه العجوز

كان يحب الأقامه مع العجوز بشده
كان صديقه الوحيد ومعلمه الاول
كانت افضل ساعات نهاره هو تلك التي يتناولان الغذاء معا فيها ليحدثه العجوز عن سنوات عمره التي عاشها
والتجارب التي مر بها
كان يستمع اليه بكل نهمه للمعرفه ونهمه لفهم الحياه

يحب تلك البلده الصغيره وتلك الربوه علي ضفه النهر
ولكنه يكره ايقاع حياه اهلها الثابت
واستكانتهم من اجل لقمه العيش

يحب هذا العمل الذي يبقيه بجانب هوايته المحببه
ولكنه يشعر ان هذا العمل يرسم له مستقبله
سيعمل في تلك المهنه حتي ينتهي به الحال كصاحب مكتبه
متزوج ولديه اطفال
ويعمل فقط كي يوفر لهم لقمه العيش

عندما فكر في هذا الأمر شعر بوخزه في جانبه
وعاودته الذاكره المشوشه للوحا خشبيا يقيد جوادا الي عربه يسير بها في نفس الطريق
ضايقته تلك الذكري كعاده ذكريات ماضيه فنحاها عن تفكيره

ثم ان تلك الهوايه علي وجه الاخص هي سبب رغبته في ترك العمل
لقد قرأ عن كثيرا من المهن
واحب كثيرا منها

احب هندسه الماكينات
وخصوصا ماكينات الطباعه
والتعدين
احب التاريخ
واحب علم الفلك
واحب دراسه الطب
احب الادب بانواعه
احب دراسه الحيوانات وطرق معيشتها
ودراسه البشر وفلسفه حياتهم

احب الكثير ولكنه يحتاج ان يمارس لكي يختار
ان يعيش التجارب بنفسه لا ان يقرأ عنها
ان يهيم علي وجهه حتي يختار طريقه
ان يخرج نفسه من بوتقه العمل الذي لم يجد غيره
الي حياه يختارها
وعملا يشعر بالمتعه وهو يؤديه

يعلم ان الطريق لن يكون ممهدا
ولكنه يبدو ان وعوره الطريق هي اكثر مايجذبه

كان هذا مايدور بعقل الشاب قبل وصول العجوز
وهو ما جذب عقله طوال تناولهما الغذاء
حتي انتبه اليه الشيخ
فسأله عما يشغله

يتبع

Thursday, May 8, 2008

يا مصري


يا مصري ليه دنياك لخابيط
و الغلب محيط
والعنكبوت عشش ع الحيط
وسرح ع الغيط
يا مصري قوم هش الوطاويط ...
كفاياك تبليط
صعبة الحياة والحل بسيط ...
حبة تخطيط
................................
فتحت باب استيرادك
وصرفت فوق ضعف إيرادك
حِلي للخواجة استكرادك
سابك بتقرا في أورادك
وده قشّطك ونزل تشفيط
يا مصري ليه دنياك لخابيط
والغلب محيط
والعنكبوت عشش ع الحيط
وسرح ع الغيط
................................
ومهولاتي تحب تزيط
ساعة الفرح زغاريد تنطيط
وفي المياتم هات يا صويت
وفي المظاهرات سخن تشيط
و في الانتخاب تنسى التصويت

يا مصري ليه دنياك لخابيط
والغلب محيط
والعنكبوت عشش ع الحيط
وسرح ع الغيط
................................
وليه بترشي وتتساهل
وتضيع حقوقك بالساهل
تستاهل النار تستاهل
يا غويط ويحسبك الجاهل
سهل وساهي وغبي وعبيط

يا مصري ليه دنياك لخابيط
و الغلب محيط
و العنكبوت عشش ع الحيط
و سرح ع الغيط
..............................................
يا مصري يا للي الغلا عاصرك
والنهب في عصرك حاصدك
قوم للحياة واسبق عصرك
ولا حاجة هترجع مصرك
إلا ان تكون شغال ونشيط

يا مصري ليه دنياك لخابيط
والغلب محيط
والعنكبوت عشش ع الحيط
وسرح ع الغيط
يا مصري قوم هش الوطاويط ...
كفياك تبليط
صعبة الحياة والحل بسيط ...
حبة تخطيط

شعر سيد حجاب
غناء علي الحجار

Saturday, December 1, 2007

اغضب -فاروق جويده

اغضب..
فإن الله لم يخلق شعوبا تستكين
اغضب..
فإن الأرض تـُحني رأسها للغاضبين
اغضب..
فإن الريح تذبح سنبلات القمح
تعصف كيفما شاءت ..
بغصن الياسمين
اغضب..
ستلقىَ الأرض بركانا
ويغدو صوتك الدامى نشيد المُتعبين
اغضب..
فإن حدائق الزيتون لا تؤوى كلاب الصيد
لاتنسى دماء الراحلين
الأرض تحزن حين ترتجف النسور
ويحتويها الخوف.. والحزن الدفين
الأرض تحزن حين يسترخى الرجال
مع النهاية.. عاجزين
اغضب..
فإن قوافل الزمن الملوث
تحرق الأحلام فى عين الصغار الضائعين
اغضب..فإن العار يسكـُنـُنا
ويسرق من عيون الناس لون الفرح
يقتـُل فى جوانحنا الحنين
ارفض زمان العهر
والمجد المدنس تحت أقدام الطغاة المعتدين
اغضب..
ففى جثث الصغارسنابل تنمو..
وفى الأحشاءينتفض الجنين
اغضب..
فإنك إن ركعت اليوم
سوف تظل تركع بعد آلاف السنين
اغضب..
فإن الناس حولك نائمون
وكاذبون وعاهرون
ومنتشون بسكرة العجز المهين
اغضب..
إذا صليت
أو عانقت كعبتك الشريفة مثل كل المؤمنين
اغضب..
فإن الله لا يرضى الهوان لأمة
كانت - ورب الناس - خير العالمين
فالله لم يخلق شعوبا تستكين
اغضب..
إذا لاحت أمامك صورة الكهان يبتسمون
والدنيا خرابٌ
والمدى وطنٌ حزين
ابصـُق على الشاشات
إن لاحت أمامك صورة المُتـنطعين
اغضب..
إذا لملمت وجهك بين أشلاء الشظايا
وانتزعت الحلم كى يبقى على وجه الرجال الصامدين
اغضب..
إذا ارتعدت عيونك
والدماء السود تجرى فى مآقى الجائعين
اغضب..
إذا لاحت أمامك أمة مقهورة خرجت من التاريخ
.. باعت كل شئ
كل أرض..
كل عِرض..
كل دين
اغضب..
ولا تترُك رُفاتك جيفة سوداء كفنها عويل مُودعِـين
اجعل من الجسد النحيل قذيفة
ترج أركان الضلال ويُـشرق الحق المبين
اغضب..
ولا تسمع احد
اغضب..
فإنك إن تركت الأرض عارية
يُـضاجعها المقامر.. والمخنث.. والعميل
سترى زمان العُـهر يغتصب الصغار
ويـُـفسد الأجيال جيلا.. بعد جيل
وترى النهاية أمة.. مغلوبة
مابين ليل البطش.. والقهر الطويل
ابصق على وجه الرجال فقد تراخى عزمُهم
واستبدلوا عز الشعوب بوصمة العجز الذليل
كيف استباح الشرُ أرضك
واستباح العُهر عرضك
واستباح الذئبُ قبرك
واستباحك فى الورى
ظلمُ الطـُغاةِ الطامعين
اغضب..
إذا شاهدت كـُهَّان العروبة
كل محتال تـَخـفـَّى فى نفق
ورأيت عاصمة الرشيد رماد ماض يحترق
وتزاحم الكـُهَّان فى الشاشات جمعهم سيوف من ورق
اغضب..
كـَـكـُـلِّ السَّاخطين
اغضب..
فإن مدائن الموتى تـَضجُّ الآن بالأحياء..
ماتواعندما سقطت خيول الحـُـلم
وانسحقت أمام المعتدين
اغضب..
إذا لاحت أمامك صورة الأطفال فى بغداد ماتوا جائعين
فالأرض لا تنسى صهيل خيولهاحتى ولو غابت سنين
الأرض تـُـنكر كـُـلَّ فرع عاجز
تـُـلقيهِ فى صمت..
تـُـكـفـِّـنـُـه الرياح بلا دموع..
أو أنين
الأرض تكره كل قلب جاحد
وتحب عـُـشاق الحياة.. وكل عزم لا يلين
فالأرض تركع تحت أقدام الشهيد
وتنحنى وتـُـقبِّـل الدم الجسور
وقد تساقط كالندى
وتسابق الضوءان ضوء القبر.. فى ضوء الجبين
وغداً يكون لنا الخلاص
يكون نصر الله بـُشرى المؤمنين
اغضب..
فإن جحافل الشر القديم تـُـطل من خلف السنين
اغضب..
ولا تسمع سماسرة الشعوب وباعة الأوهام.. والمتآمرين
اغضب..
فإن بداية الأشياء أولها الغضب
ونهاية الأشياء آخرها الغضب
والأرض أولى بالغضب
سافرت فى كل العصوروما رأيت.. سوى العجب
شاهدت أقدار الشعوب سيوف عارٍ من خشب
ورأيت حربا بالكلام وبالأغانى.. والخـُطب
ورأيت من سرق الشعوب ومن تواطأ.. من نهب
ورأيت من باع الضميرومن تآمر.. أو هرب
ورأيت كـُهانا بنوا أمجادهم بين العمالة والكذب
ورأيت من جعلوا الخيانة قـُدس أقداس العرب
ورأيت تيجان الصفيح تفوق تيجان الذهب
ورأيت نور محمد يخبو أمام أبى لهب
فاغضب..
فإن الأرض يـُحييها الغضب
اغضب.. ولا تسمع أحد
قالوا بأن الأرض شاخت..
أجدبت منذ استراح العجز فى أحشائها
نامت.. ولم تنجب ولد
قالوا بأن الله خاصمها..
وأن رجالها خانوا الأمانة.. واستباحوا كل عهد
الأرض تحمل..
فاتركوها الآن غاضب
ففى أحشائها.. سُخط تجاوز كل حد
تـُخفى أساها عن عيون الناس
تـُنكر عجزها
لا تأمنن لسخط بركان خمد
لو أجهضوها ألف عام
سوف يولد من ثراها كل يوم ألف غد
اغضب.. ولا تسمع أحد
اسمع أنين الأرض حين تضم فى أحشائها عطر الجسد
اسمع ضميرك..
حين يطويك الظلام وكل شئ فى الجوانح قد همد
والنائمون على العروش فحيح طاغوت تجبّر.. واستبد
لم يبق غير الموت
إما أن تموت فداء أرضك أو تـُباع لأى وغد
مت فى ثراها إن للأوطان سرا ليس يعرفه أحد
إن تنصروا الرحمن ينصركم .. وهذا ما وعد
هذا ما وعد

Friday, October 19, 2007

هزيمه

اسباب تحرك الجيش الاسلامي من الاندلس كانت في ايميل لوحده كجزء اول
الايميل ده من بدايه التحرك
وهسيب الايميل بنفس الصيغه
حماسيه شويه
وطويله شويتين
فلو مش عندك وقت اقرا المعركه بس
وده الايميل:

انطلق عبد الرحمن الغافقي بجيشه اللجب من شمال الأندلس كما ينطلق الإعصار .
وانصبَّ على جنوب فرنسا من فوق جبال " البِرِنِيهْ " كما يَنْصَبُّ السيل .
وكانت عِدَّةُ جيشه مائة ألف مجاهد .
بين جوانح كل منهم قلب أسد ....
وفي عُرُوقِهِ عزمَةُ مارد ...
* * *
يَمَّمَ الجيش الإسلامي وجْهه شطر مدينة " آرل " [ Arles: مدينة في جنوب فرنسا على نهر الرون شمالي مرسيليا] الواقعة على ضفاف نهر " الرُّون "
فلقد كان له معها حساب ...
ذلك أنَّ " آرل " هذه كانت قد صالحت المسلمين على أن تدفع لهم الجزية .
فلمَّا استشهد ( السمح بن مالك الخولانيُّ ) في معركة " تولوز " [Toulouse : مدينة في جنوب فرنسا على نهر الغارون وهي قاعدة محافظة غارون العليا ] وتضعضع المسلمون لمصرعه ، نبذ أهل " آرل " الطاعة ، ونكثوا العهد ، وامتنعوا عن دفع الجزية .
ولمَّا بلغ عبد الرحمن الغافقي ضواحي المدينة ، وجد أنَّ " أَودَ " " دُوقَ أكتانية " قد عبأ قواته الكثيفة عندها .
وَحَشَدَهَا حول تُخُومها ...
وتصَّدى لرد الزحف الإسلامي عليها ...
ثُمَّ ما لبث أن التقى الجيشان وجهاً لوجه .
ودارت بين الفريقين معركة طَحُونٌ ...
قذَفَ خلالها عبد الرحمن الغافقي بكتائب من جيشه تُحِبُّ الموت أكثر ممَّا يُحبُّ أعداؤها الحياة ، فزلزل أقدام العدو .... ومزَّقَ صُفُوفَهُ ...
ودخل المدينة في هذه المرّة حرباً ...
فأعمل السيف في رقاب أهلها ..
وأثخن فيهم إثخاناً ..
وغنم منهم غنائم عزَّت على الحصر ..
أما الدوق " أود " فقد فرَّ بمن بقي حيّاً من جنوده ...
وطفق يُعِدُّ العُدة للقاء آخر من جيوش المسلمين ..
فقد كان يعلم أن معركة " آرل " كانت بداية الطريق ، وليست نهايته .
* * *
عَـبَــرَ عبدُ الرحمن الغافقي بجيشه الجرَّار نهر " الجارون " ، وطفقت كتائبه الظافرة تجُوسُ مقاطعة أوكتانية ذات اليمين ، وذات الشمال .
وأخذت المدن والقرى تتساقط تحت سنابك خيْله كما تتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف إذا هبَّتْ عليها الرياح الهُوجُ .
وأضاف المسلمون إلى غنائمهم السابقة غنائم لاحقة لم ترها عيْنٌ من قبل ...
ولم تسمع بها أُذُنٌ ...
وقد حاول دوق " أُكتانية " أن يتصدى لهذا الزحف الكبير مرة أخرى فاشتبك مع المسلمين في معركة ضروس .
لكنَّ المسلمين ما لبثوا أن هزموه هزيمة طاحنة ...
وأنزلوا به نكبة ساحقة مُدَمِّرة ...
ومزَّقوا جيشه شر ممزَّق ...
وتركوا جيشه بين قتيل ، وأسير ، وهَزِيم ..
* * *
ثم اتجه المسلمون إلى مدينة " بوردو " كبرى المدن الإفرنسية آنذاك ، وعاصمة مقاطعة " أُكتانية " .
وخاضوا مع أميرها معركة لا تقل هوْلاً عن المعارك السابقة ...
استبسل فيها المهاجمون والمدافعون استبسالاً يُثير العجب والإعجاب ...
لكنَّ المدينة الكبيرة الخطيرة ما لبثت أن سقطت في أيدي المسلمين كما سقطت أخواتُها من قبل .
وما لبث أميرها أن قُتل في جملة القتلى .
وأحرز المسلمون من غنائم " بوردو " ما هَوَّن في أعينهم كل ما أحرزوه من غنائم .
وقد كان سقوط " بوردو " في أيدي المسلمين فاتحةً لسقوط مدن أخرى كثيرة خطيرة .
أهمُّها " ليون " و " بيزانسُون " و " سانس SENS " .
* * *
ولم يجد الدوق "أودو" بدا من الاستنجاد بالدولة الميروفنجية، وكانت أمورها في يد شارتل مارتل، فلبى النداء وأسرع بنجدته، وكان من قبل لا يُعنى بتحركات المسلمين في جنوب فرنسا؛ نظرا للخلاف الذي كان بينه وبين أودو دوق أكتانية
* * *
كان الجيش الإسلامي آنذاك قدْ بلغ مدينة " تُورَ TOURS " طليعةَ مدنِ فرنسا وَفْرَةً في السكان ، وقُوَّةً في البُنْيَان ، وعراقة في التَّاريخ ....
وكانت المدينة - فوق ذلك - تختال على أكثر مدن " أوروبا " بكنيستها الفخْمة ، الضخمة ، العامرة بجليل الأعلاق [الآثار القديمة ، النفيسة الثمينة ] ، وكريم النَّفائس .
فأحاط بها المسلمون إحاطة الغُلِّ بالعُنُق ....
وانصبُّوا عليها انْصباب المنون إذا جاء الأجل ...
واسترخصوا في سبيل افتتاحها الأرواح والمُهَج ...
فما لبثت أن سقطت بين أيديهم على مرأى " شارل مارتل " وَمَسْمَعِه ....
* * *
وفي العشر الأخير من شهر شعبان سنة أربعٍ ومائة للهجرة ، زحف عبد الرحمن الغافقي بجيشه اللجب على مدينة " بُوَاتْييه POITIERS " ..
وهناك التقى مع جيوش أوروبا الجرَّارَة بقيادة " شارل مارتل " ..
ووقعت بين الفريقين إحدى المعارك الفاصلة لا في تاريخ المُسلمين والفِرنجة فحسب ..
وإنما في تاريخ البشريَّة كُلِّها .
وقد عُرِفَتْ هذه المعركة بمعركة ( بَلاطِ الشُّهَدَاءِ ) .
* * *
كان الجيش الإسلامي يومئذ في ذروة انتصاراته الباهرة .
لكنَّ كاهله كان مُثقلاً بتلك الغنائم التي انْصبَّت عليه انصِباب الغيْث ....
وتكدَّست في أيدي جُنُوده تكدُّس السُّحب ...
وقد نظر عبد الرحمن الغافقي إلى هذه الثروة الطائلة الهائلة نظرة قلق وإشفاقٍ .
وتوجَّس منها خيفةً على المسلمين .
فقد كان لا يأمن أن تَشْغَلَ هذه النَّفائس قُلُوبَهم عند اللِّقاء ..
وأن توزِّع نفوسهم في لحظات البأس ...
وأن تجعل إحدى عيْني الواحد منهم على العدو المُقبل عليه ...
وعيْنه الأخرى على الغنائم التي في يديه ...
ولقد همَّ بأن يأمر جُنُودَه بالتَّخلص من هذه الثروات الطائلة الهائلة ...
ولكنَّه خشي ألَّا تطيب قلوبهم بذلك القرار الخطير ....
وألَّا تسمح نُفُوسهم بالتَّخلي عن هذا الكنز الثمين .
فلم يجد وسيلة خيراً من أن يجمع هذه الغنائم في مخيمات خاصَّة ...
وأن يجعلها وراء المُعسكر قبل إنشاب القتال [إثارة الحرب] .
* * *
استعداد الفرنجة

وجد شارل مارتل في طلب نجدته فرصة لبسط نفوذه على أقطانيا التي كانت بيد غريمه، ووقف الفتح الإسلامي بعد أن بات يهدده، فتحرك على الفور ولم يدخر جهدا في الاستعداد، فبعث يستقدم الجند من كل مكان فوافته جنود أجلاف أقوياء يحاربون شبه عراة، بالإضافة إلى جنده وكانوا أقوياء لهم خبرة بالحروب والنوازل، وبعد أن أتم شارل مارتل استعداده تحرك بجيشه الجرار الذي يزيد في عدده على جيش المسلمين يهز الأرض هزا، وتردد سهول فرنسا صدى أصوات الجنود وجلباتهم حتى وصل إلى مروج نهر اللوار الجنوبية.

اللقاء المرتقب

كان الجيش الإسلامي قد انتهى بعد زحفه إلى السهل الممتد بين مدينتي بواتييه وتور بعد أن استولى على المدينتين، وفي ذلك الوقت كان جيش شارل مارتل قد انتهى إلى اللوار دون أن ينتبه المسلمون بقدوم طلائعه، وحين أراد الغافقي أن يقتحم نهر اللوار لملاقاة خصمه على ضفته اليمنى قبل أن يكمل استعداده فاجأه مارتل بقواته الجرارة التي تفوق جيش المسلمين في الكثرة، فاضطر عبد الرحمن إلى الرجوع والارتداد إلى السهل الواقع بين بواتييه وتور، وعبر شارل بقواته نهر اللوار وعسكر بجيشه على أميال قليلة من جيش الغافقي.

وفي ذلك السهل دارت المعركة بين الفريقين، ولا يُعرف على وجه الدقة موقع الميدان الذي دارت فيه أحداث المعركة، وإن رجحت بعض الروايات أنها وقعت على مقربة من طريق روماني يصل بين بواتييه وشاتلرو في مكان يبعد نحو عشرين كيلومترا من شمالي شرق بواتييه يسمّى بالبلاط، وهي كلمة تعني في الأندلس القصر أو الحصن الذي حوله حدائق؛ ولذا سميت المعركة في المصادر العربية ببلاط الشهداء لكثرة ما استشهد فيها من المسلمين، وتسمّى في المصادر الأوربية معركة "تور- بواتييه".
وقف الجيشان الكبيران بضعة أيام كلٌّ منهما قُبَالة الآخر في سكون ، وتَرَقُّب وصمت ، كما تقف سلسلتان من الجبال إحداهما في وجْه الأُخرى ...
فقد كان كلٌّ من الجيشين يخشى بأس عدُوِّه ، ويحسبُ للقائِهِ ألْف حِسَاب .
فلمَّا طال الوقت على هذه الحال ، ووجد عبد الرحمن الغافقي مراجل الحمِيَّة والإقدام تغلي في صدور رجاله ، آثر أن يكون هو البادىء بالهجوم مُعْتمداً على مناقب جُنْدِهِ [مزاياهم وخصائصهم] ...
مُتفائلاً بحُسْن طالعه في النَّصر .
* * *
انقضَّ عبد الرحمن الغافقي بفُــرْسانه على صفوف الفرنجة انقضاض الأسود الكاسرة .
وصمد لهم الفرنجة صُمُود الأطواد الرَّاسخة [الجبال] .
وانقضى اليوم الأول من أيَّام المعركة دون أن ترجح فيه كَفَّةٌ على كَفَّةٍ ...
ولم يحجز بين المتقاتلين غير هبوط الظلام على ميدان القتال ...
ثمَّ تجدَّد النِّزال في اليوم التالي ، وحمَلَ المسلمون على الفرنجة حملات باسلةً ، ولكنهم لم ينالوا منهم وَطَراً [بُغية] .
وظلَّت المعركة تدور على هذه الحال سبعة أيام طويلةً ثقيلةً.
فلما كان اليوم الثامن كَـرَّ المسلمون على عدوهم كرَّةً واحدة .
ففتحوا في صفوفه ثُغْرةً كبيرة لاح لهم من خلالها النصر كما يلوح ضوءُ الصبح من خلال الظلام .
عند ذلك أغارت فِرقةٌ من كتائب الفِرِنجةِ على مسكرات الغنائم.
فلما رأى المسلمون أن غنائمهم قد أوشكت أن تقع في أيدي أعدائهم .
انكفأ [تراجع] كثير منهم لاستخلاصها منه.
فتصدعت لذلك صفوفهم ...
وتضعضعت جموعهم...
وذهبت ريحهم...
فهب القائد العظيم يعمل على رد المنكفئين ...
ومدافعة المهاجمين ..
وسدِّ الثغور...
وفيما كان بطل الإسلام عبد الرحمن الغافقي يذرع أرض المعركة على صهوة جواده الأشهب جيئةً وذهاباً ...
وكرّاً وفرّاً..
أصابه سهم نافذ فهوى عن متن فرسه كما يهوي العُــقَاب [طائر من الجوارح] من فوق قمم الجبال .
وثوى صريعا شهيدا على أرض المعركة.
فلما رأى المسلمون ذلك عمهم الذعر وسادهم الاضطراب .
واشتدت عليهم وطأة العدو ، ولم يوقف بأسَه عنهم إلا حلولُ الظلام.
* * *
فلما أصبح الصبح وجد " شارل مارتل " أن المسلمين قد انسحبوا من " بُواتْيِيهْ "..
فلم يجرؤ على مطاردتهم ...
ولو طاردهم لأفناهم .
ذلك أنه خشي أن يكون انسحابهم مكيدة من مكائد الحرب دُبِّرت في ليلٍ ...
فآثر البقاء في مواقعه مكتفيا بذلك النصر الكبير .
لقد كان يوم بلاط الشهداء يوما حاسما في التاريخ .
أضاع فيه المسلمون أملاً من أعز الآمال ...
وفقدوا خلاله بطلا من أعظم الأبطال ...
وتكررت فيه مأساة يوم " أُحُدْ "...
سُنَّة الله في خلقه ...
ولن تجد لسنة الله تبديلا ...
* * *
هزَّت أنباء فاجعة يومِ بلاطِ الشهداء نفوسَ المسلمين في كل مكان هزاً عنيفاً...
وزُلزِلت لهولها أفئدتهم زلزالا شديدا ...
وعَمَّ الحزنُ بسببها كلَّ مدينة وكلَّ قرية وكلَّ بيت.
وما زال جرحُها الممِضُّ ينزفُ من قلوبهمْ دماً حتى اليوم.
* ************************************************* *
نتائج المعركة

كثر الكلام حول هذه المعركة، وأحاطها المؤرخون الأوربيون باهتمام مبالغ، وجعلوها معركة فاصلة، ولا يخفى سر اهتمامهم بها؛ فمعظمهم يعدها إنقاذًا لأوروبا، فيقول "إدوارد جيبون" في كتاب "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية" عن هذه المعركة: "إنها أنقذت آباءنا البريطانيين وجيراننا الفرنسيين من نير القرآن المدني والديني، وحفظت جلال روما، وشدت بأزر النصرانية".

ويقول السير "إدوارد كريزي": "إن النصر العظيم الذي ناله شارل مارتل على العرب سنة 732م وضع حدا حاسما لفتوح العرب في غرب أوروبا، وأنقذ النصرانية من الإسلام".

ويرى فريق آخر من المؤرخين المعتدلين في هذا الانتصار نكبة كبيرة حلت بأوروبا، وحرمتها من المدنية والحضارة، فيقول "جوستاف لوبون" في كتابه المعروف "حضارة العرب"، الذي ترجمه "عادل زعيتر" إلى العربية في دقة وبلاغة:
"لو أن العرب استولوا على فرنسا، إذن لصارت باريس مثل قرطبة في إسبانيا، مركزا للحضارة والعلم؛ حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ بل ويقرض الشعر أحيانا، في الوقت الذي كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم".
وقال " هنري دي شامبون " مديرِ مَجلةِ " ريفي بارلمِنْتِير " الفَرَنْسِية:
( لولا انتصار جيش " شارل مارتل " الهمجيِّ على العرب المسلمين في " فرنسا " لما وقعت بلادنا في ظلمات القرون الوسطى [وهي القرون المظلمة التي امتدت من سنة 476 إلى سنة 1500]...
ولَمَــا أصيبت بفظائعها ..
ولا كابدت المذابحَ الأهلية التي دفع إليها التعصُّبُ الديني المذهبي ...
وبعد معركة بلاط الشهداء لم تسنح للمسلمين فرصة أخرى لينفذوا إلى قلب أوربا، فقد أصيبوا بتفرقة الكلمة، واشتعال المنازعات، في الوقت الذي توحدت قوة النصارى، وبدأت ما يُسمّى بحركة الاسترداد والاستيلاء على ما في يد المسلمين في الأندلس من مدن وقواعد